بسم الله الرحمن الرحيم
التحدي بالقرآن--ليس بكلام بشرخلق الإنسان في كبد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعلمين عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين .
جاء في سورة البلد: بسم الله الرحمن الرحيم:
{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ
أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ
{7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ {10}
لنرى ماذا قال ألأئمة الكبار وأمهات التفاسير في شرح هذه الآيات:
وجاء فى الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي:
قال ابن عباس والحسن: "في كبد" أي في شدة ونصب. وعن ابن عباس أيضا: في شدة من حمله وولادته ورضاعه ونبت أسنانه، وغير ذلك من أحواله. وروى عكرمة عنه قال: منتصبا في بطن أمه. والكبد: الاستواء والاستقامة. فهذا امتنان عليه في الخلقة. ولم يخلق الله جل ثناؤه دابة في بطن أمها إلا منكبة على وجهها إلا ابن آدم، فإنه منتصب انتصابا؛ وهو قول النخعي ومجاهد وغيرهما. ابن كبسان: منتصبا رأسه في بطن أمه؛ فإذا أذن الله أن يخرج من بطن أمه قلب رأسه إلى رجلي أمه. وقال الحسن: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وعنه أيضا: يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء؛ لأنه لا يخلو من أحدهما. ورواه ابن عمر. وقال يَمانٌ: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم؛ وهو مع ذلك أضعف الخلق. قال علماؤنا: أول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا قمط قماطا، وشد رباطا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرك لسانه، ثم يكابد الفطام، الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدين، ووجع السن، وألم الأذن. ويكابد محنا في المال والنفس، مثلا لضرب والحبس، ولا يمضى عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مساءلة الملك، وضغطة القبر وظلمته؛ ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار؛ قال الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد. ودل هذا على أن له خالقا دبره، وقضى عليه بهذه الأحوال؛ فليمتثل أمره.)....انتهى
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2} وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ(إلى هنا انتهى القسم؛ وهذا جوابه. ولله أن يقسم بما يشاء من مخلوقاته لتعظيمها، كما تقدم. والإنسان هنا ابن آدم. "في كبد" أي في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. وأصل الكبد الشدة. ومنه تكبد اللبن: غلظ وخثر وأشتد. ومنه الكبد؛ لأنه دم تغلظ واشتد. ويقال: كابدت هذا الأمر: قاسيت شدته.
وجاء فى الدر المنثور فى التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي:11
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ووالد وما ولد} قال: آدم وما ولد {لقد خلقنا الإنسان} قال: وقع ههنا القسم {في كبد} قال: في مشقة يكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة {يقول أهلكت مالا لبدا} قال: كثير
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ووالد وما ولد} قال: آدم {وما ولد}، {لقد خلقنا الإنسان في كبد} في نصب.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {لقد خلقنا الإنسان في كبد} قال: في شدة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق عطاء عن ابن عباس {لقد خلقنا الإنسان في كبد} قال: في شدة خلق في ولادته ونبت أسنانه[؟؟] وسوره ومعيشته وختانه).
وجاء أيضا فى تفسير الجلالين:
وقوله: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} وهذا هو جواب القسم (قد خلقنا الإنسان) الجنس (في كبد) نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الحرارة)..انتهى
وجاء في جامع البيان عن تأويل آي القرآن للأمام الطبري:
(حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {مسخرات في جو السماء} أي في كبد السماء)
وقوله: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} وهذا هو جواب القسم)...انتهي
هذا ما جاء به اغلب المفسرين والذي ملخصه إن الإنسان خلقه فى كبد بمعنى الشقاء والتعب والنصب وقد أفاض بعضهم فى أنواع هذا التعب والكبد مثل ما ذكره ابن عباس والحسن وما ذكره عنهم عكرمة من تعب في الولادة والرضاعة وشق الأسنان وغيرها.
ولكن هذا الشقاء والتعب لم يقتصر على الإنسان وحده فكل مخلوقات الله الحية فى تعب ونصب حتى النبات فالنبات يبحث عن الماء بواسطة جذوره وكذلك يبحث عن مصدر الضوء بواسطة السيقان ويقاوم الأمراض التي تصيبه ويمرض ويموت مثل الإنسان فكل شئ حي هو فى شقاء وتعب ونصب وغير ذلك مثل الإنسان , ولكن الله قال فى الآية { } لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} ويكون الإنسان فقط الذي تعنيه الآية وليس كل خلق الله الحي ومادام اشترك فى التعب والشقاء غير الإنسان فلابد أن نبحث عن معنى آخر للتدبر فى هذه الآية ولا نفسر ها لان الله أمرنا أن نتدبر القرآن لا نفسره حتى تظهر لنا عظمة القرآن .
قبل أن نبدأ فى التدبر لهذه الآية علينا أولا أن نبحث عن معنى آخر لكلمة (كبد) :
(وأخرج ابن جرير والطبراني عن ابن عباس في قوله {لا أقسم بهذا البلد} قال: مكة {وأنت حل بهذا البلد} قال: مكة {ووالد وما ولد} قال: آدم {لقد خلقنا الإنسان في كبد} قال: في اعتدال وانتصاب).
وجاء فى القواميس:
جاء فى جميع برنامج المحدث على النت:
فوضعت سهما في كبد القوس
كبد:
كالشمس في كبد السماء وضوءها
وجاء فى مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني: وكبد السماء: وسطها تشبيها بكبد الإنسان لكونها في وسط البدن. وقيل: تكبدت الشمس: صارت في كبد السماء،.
وجاء فى فقه اللغة للثعالبي: كَبِدُ كُلِّ شيءٍ وَسَطُهُ
كَبِدُ كُلِّ شيءٍ وَسَطُه .
هذا معنى آخر لكلمة(كبد) ولأن القرآن يفسر بعضه بعضا فقط ما علينا إلا أن نتدبره ُ.
أولا :
فى هذه السورة يقول الله جل جلاله عقب هذه الآية محل التدبر(أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ).
جاءت هذه الآيات بعد الآية التي هي محل التدبر (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ). وفى هذه الآيات [5&6&7] تشير الى الغرور الذي أصاب الإنسان وحسب ان إلا يقدر عليه احد ويتباها بما انفق من اموال طائلة وحسب ان لا يراه احد .
ثانيا :
ليس من المعقول ان يكون المقصود بكلمة( الكبد) هنا المشقة والتعب والا ما كان اغتر الإنسان وقال ما قاله كما جاءت به الآيات [5&6&7] .
ثالثا.
الله تعالى قال فى سورة البلد ({3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5}.
ولذلك نتدبر الآية مرة أخرى ونبحث عن معنى آخر
نحاول أن نبحث عن معنى آخر لكلمة (كبد) غير المشقة والتعب الذي قال به المفسرون وننظر فى القرآن نجد الآتي:
يقول الله فى كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم .
الجاثية13( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .. فى هذه الآية يقول أن الله سخر كل ما فى السماوات وكل ما فى الأرض للإنسان اى أن كل ما على يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته كل هذا مسخر له -أي الإنسان-. إذا هو مركز اهتمام الخلق الذي سخره الله له اى انه فى (مركز أو وسط أو كبد الخلق كله) لأن المخلوقات مسخرة للإنسان والقرآن الكريم مليء بذكر بعض من الآيات التي يتعامل معها الإنسان مثل الأنعام والبحور والأنهار والفلك والشمس والقمر وتصريف الرياح مثل قول الله جل شأنه بسم الله الرحمن الرحيم.
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج:65) )أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (لقمان:20) (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الجاثـية:12)
وكثير من هذه الآيات التي لا يستطيع الإنسان إنكارها .
ولأن الله سخر له كل خلقه الذي حوله حتى السماوات ومن فيهم والأرض وما فيها فأصبح وكأنه فى كبد ومركز اهتمام الكون كله فانخدع فى نفسه وأخذه الغرور وقال ما قاله فى ذات السورة فظن أن لا يقدر عليه احد لأن كل ما حوله مسخر له ويقول كما جاء ت به الآيات فى السورة {3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ
ولكن الله ينبهه أن اقرب النعم عليه هي من الله الخالق ويقول له فى ذات السورة:
{7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ {10}.صدق الله العظيم
لو أن الإنسان خلق في شقاء وتعب وتصب كما جاء به المفسرين ما كان اغتر وقال مقاله في غرور وصلف كما جاءت به الآية الكريمة والله اعلي واعلم .
انتهى والله أعلى وأعلم بمراده.
اللهم تقبل منى ومن المؤمنين صالح الأعمال واغفر لنا وارحمنا وأنت ارحم الراحمين
انتهى فى 17من رمضان سنة1430 هجرية الموافق الثلاثاء 8من سبتمبر 2009م
محمد ابراهيم عبد الغنى قطب
الإميل:
emadkotob@yahoo.com
mohamed_k47@hotmail.com
emadkotob
التحدي بالقرآن – ليس بكلام بشر